ما ان يصل السائح او الضيف الى دمشق حتى تسبقه الدهشة والشعور بالشوق لزيارة الجامع الاموي ، فهذا الصرح الاسلامي التاريخي الكبير بما مر عليه من احداث جسام ، ومن عظمة في الهندسة والديكور والنقوش الزخرفية تشهد على حضارة اسلامية معمارية مميزة ، دفعت العديد من الرموز الدينية والسياسية في العالم لايلاء الاهتمام الاستثنائي بزيارة هذا الصرح المعماري الذي تغنى به الشعراء واطنب في وصفه الادباء.
فالملك عبد الله الثاني والبابا الراحل يوحنا بولس الثاني والرئيس الكوبي فيديل كاسترو ، ، والرئيس التركي عبدالله غول ، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير ، وسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دول الإمارات العربية المتحدة والرئيس المصري محمد حسني مبارك و ورئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وغيرهم الكثير من الشخصيات الرسمية والتاريخية التي وقفت بإعجاب أمام هذا الإنجاز الإسلامي والإنساني الحضاري العظيم ، فالجامع الأموي يكاد يختصر حضارة الإسلام المعمارية ، ويعد درة من درر التاريخ ، ومن أهم فنون العمارة الإسلامية في القرن الثامن الميلادي ، وهو أكمل وأقدم أثر إسلامي لا يزال محافظاً على أصوله منذ بنائه عام م716 وحتى الآن.
دمشق القديمة
يشغل الجامع الأموي بدمشق موقعاً مميزاً وسط المدينة التاريخية في ذات البقعة التي كانت في السابق مكاناً لأبنية ذات طابع دينيي منذ قرون: ففي الموقع ذاته قبل تشييد الجامع الأموي بقرون ، وفي العهد الآرامي أوائل القرن العاشر قبل الميلاد أقيم معبد "حدد" إله العاصفة والمطر والخصب في سورية ، ثم أنشىء على أنقاضه معبد آخر هو معبد "جوبيتر" في العهد الروماني ، وكان المعبد مؤلفاً من ثلاثة أقسام : أولها الهيكل ويقع في وسط المعبد وهو متجه من الشرق إلى الغرب ، ولم يبق منه أثر الآن ، وساحة "التيمينوس" التي تحيط بالهيكل وهي ساحة مستطيلة الشكل بجدران عالية وأروقة متعددة ، ولها أربعة أبواب ، وأيضاً لم يبق منها شيء الآن ، وساحة البيربول وهي رواق مستطيل ، تحيط بساحة التيمنوس لها أربعة مداخل على امتداد الرواق ، ولا تزال آثار هذا الرواق المحيطي موجودة في أنحاء مختلفة غربي وشرقي الجامع.
وفي عهد الامبراطور "تيودوس الأول" عام 379 استعمل "تيودوس" الأجزاء المتبقية من المعبد ليحولها إلى كنيسة مسيحية أطلق عليها فيما بعد "كنيسة القديس يوحنا المعمدان" ومع مرور الزمن وقبيل الفتح الإسلامي تدهورت أجزاء عديدة من الكنيسة ، مما دفع القائد خالد بن الوليد عندما فتح دمشق إلى أن يتخذ الجزء الشرقي الجنوبي من أطلال الكنيسة جامعاً للصلاة فيه ، وأنشأ أول محراب في الإسلام لا يزال قائماً إلى الآن ، ويحمل اسم "الصحابيان" إشارة إلى خالد وأبو عبيدة بن الجراح ، وفي عصر معاوية بن أبي سفيان عندما أصبح والياً على الشام ثم خليفة للمسلمين ، كان المسلمون يصلون في الجامع المؤقت الذي اتخذه ابن الوليد ، وقد أنشأ فيه أول مقصورة في الإسلام وحوّل الجزء الشرقي إلى جامع وبقي الجزء الغربي كنيسة للنصارى ، وقد كان المسلمون والنصارى يدخلون من باب واحد هو باب المعبد الأصلي الذي كان في جهة القبلة مكان المحراب الكبير الآن ، ، فينصرف النصارى جهة الغرب من كنيستهم والمسلمون إلى الشرق من جامعهم ، وقد كان النصارى في تلك الفترة يخشون الجهر بقراءة كتابهم أو ضرب نواقيسهم إجلالاً للصحابة ومهابة لهم.
وقد رافق إنشاء الجامع الأموي بدمشق في موقع المعبد القديم الكثير من الحكايات المختلفة التي ارتقى بعضها إلى حد الأساطير الخيالية ، فيما يخص تاريخ ومكان وكيفية بناء أول جامع بالمدينة القديمة ، والذي تم على أنقاضه تشييد الجامع الأموي الكبير إبان عهد الوليد بن عبد الملك عام 705 ، إذ أشارت هذه القصص والحكايات إلى اقتسام المسلمين كنيسة المسيحيين وقد وصل الالتباس والتشويش في هذه القضية ذروته عندما تبنى بعضهم إجراء طقوس العبادة للمسلمين والمسيحيين في مكان واحد وهذا لا يقبله الواقع.
خلاف تاريخي
ويشير الباحث والمؤرخ ، د. عبد القادر الريحاوي ، في كتابه "العمارة والحضارة الإسلامية" إلى أن السبب الرئيس فيما رواه الرواة والمؤرخون كان في عدم تمييزهم بين المعبد والكنيسة ، فقالوا باقتسام الكنيسة وهم ربما يعنون اقتسام المعبد ، إلا أن الحقيقة تشير كما أكد أبو البقاء عبد الله البدري المصري الدمشقي في كتابه "نزهة الأنام في محاسن الشام" إلى أن المسلمين أخذو النصف الشرقي للمعبد وأقاموا عليه جامعهم وتركوا الكنيسة القائمة في القسم الغربي للنصارى ، وبقي الأمر كذلك قرابة سبعين عاماً إلى أن جاء الوليد بن عبد الملك وتمكن من تشييد جامعه الكبير بعد إزالة غالبية المنشآت السابقة في الموقع.
ويقول ابن عساكر حول هذه القضية: إنه لما آلت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية الكنيسة وإضافتها إلى جامع المسلمين بعد تعويض النصارى بأربع كنائس ، وهي كنيسة مريم وكنيسة المصلّبة وكلاهما داخل منطقة باب شرقي ولا تزالان حتى الآن ، وكنيسة تل الجبن وكنيسة حميد بن درة ، وأعطاهم كنيسة خامسة فأرضاهم وهي "كنيسة باب توما".
ثم أمر الوليد بهدم كل ما بداخل المعبد من منشآت رومانية وبيزنطية واستفاد من حجارة المعبد المتراكمة وأعمدته وتيجانه في إقامة جامعه الضخم والذي عرف أحياناً بجامع الوليد.
وقد بدأ بتشييد الجامع الأموي عام م705 وانتهى منه بعد عشر سنوات من العمل الإنشائي المعماري الواسع والمتواصل في عام م715 أي في السنة التي توفي فيها الوليد ، وباكتمال تشييد الجامع الأموي بدمشق فإن مرحلة جديدة من التطور العمراني في العهد الأموي قد أنجزت و ظهر الجامع بصيغته الفنية المتكاملة وكأنه مأثرة معمارية حقاً ، أظهرت للعالم بأسره نضج القيم التكوينية الجديدة ، واكتمال المفاهيم التصميمية المعمارية ، تلك المفاهيم التي لا يتعدى عمرها عمر ظهور الإسلام نفسه.
قالوا فيه
وقد أثارت الأبعاد القياسية للجامع الأموي بدمشق وأسلوب ترتيب فضاءاته ، ودقة ورهافة الأعمال التزيينية وسعتها ، وحذق العمل الإنشائي وأساليبه البنائية دهشة وإعجاب جميع مشاهديه وزواره منذ ذلك الحين وحتى الآن ، ففيه يقول الرحالة المعروف ابن جبير "إنه من أشهر جوامع الإسلام حسناً وإتقان بناء ، وغرابة صنعة وتزيين ، وشهرته المتعارفة في ذلك تغني عن استغراق الوصف منه".
وفيه يقول أيضاً العلامة الشيخ الراحل علي الطنطاوي: "لقد تشرفت بزيارة آلاف المساجد ، فرأيت المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسجد الأقصى والأزهر المعمور ، ومسجد أبي حنيفة والجيلاني في بغداد ، ومسجد ابن طولون والمتوكل في القاهرة فما رأيت فيه كلها بعد المساجد الثلاثة التي ميزها الله وجعل الصلاة فيها أفضل بدرجات مسجداً هو أقدم قدماً وأفخر مظهراً وأجمل عمارة وأحلى في العين منظراً من الجامع الأموي بدمشق"
ويشير المؤرخون إلى أن الوليد بن عبد الملك أنفق على بناء الجامع خراج الشام لمدة سنتين وأنه أخذ ربع أعطيات أهل الشام لمدة تسع سنين وتقدر بخمسة وأربعين ألف دينار ، وبلغت تكاليف بنائه خمسة ملايين وستمئة ألف دينار ذهبي ، وقد جمع المصممون والفنانون في بناء الجامع بين أسلوب البناء القديم وزخارف من جديد ، وما تستلزمه شروط الحياة الإسلامية وتعاليمها الدينية من جهة أخرى ، حتى صعب على الباحثين والمؤرخين اكتشاف سر لغز أصول هذا المزج العبقري فاعتبروه ابتكاراً لا مثيل له ، وقد استقدم الوليد لبنائه أمهر الفنانين والمعماريين والمصورين من جميع أنحاء العالم.
ويشير الباحث والمؤرخ د. فيليب حتي في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين"إلى أن الوليد أرسل إلى امبراطور الروم في طلب مئة فنان ومعماري لبناء الجامع ، متوعداً إياه بغزو بلاده بجيوشه وتدمير كل كنائس بلاده إن لم يستجب إلى رغباته وطلباته بإرسال الصنّاع والفنانين،،
وكذلك يشير ابن عساكر في كتابه إلى أن عدد الصناع كان يتجاوز المئة ألف ، ومما تقدم نرى أن الوليد جعل من الجامع الأموي أعجوبة معمارية غاية في الأصالة والإبداع ، وطرازاً فريدأً ووضع فيه أسس الهندسة العربية التي تتلائم وذوق العرب المسلمين ليصبح فيما بعد إحدى تحف العالم الإسلامي الأكثر شهرة وليشكل مدرسة فنية فريدة في هندسة البناء وروعة التصميم والزخرف.
هندسة مدهشة
تتشكل عمارة الجامع الأموي بدمشق من مكونات أساسية كبيت الصلاة والصحن المكشوف ، إضافة إلى الجنبات التي كانت تحيط بالصحن ثم الجدران الخارجية التي تخترقها الأبواب العديدة والموجودة في جميع هذه الجدران ، والأبراج العالية الموجودة في أركان الجدران الخارجية التي استخدمت مآذن تتلى من خلالها نداءات الصلاة.
تبلغ أبعاد الجامع الكلية 157 م طولاً 97و عرضاً ، ويتألف الجامع من صحن عرضاني مكشوف تبلغ أبعاده (48ھ121م) ، يحيط به من جهاته الثلاثة الشرقية والغربية والشمالية رواق عريض عرضه عشرة أمتار تقريباً ، ويتألف هذا الرواق من صف من القناطر المفتوحة على الصحن والمحمولة على أعمدة عالية وضخمة مغلفة بالحصى ومزخرفة مع عضادة ، والأعمدة قطعة واحدة من الحجر الكلسي الصلب أو الغرانيت القديم.
وينفتح في الصحن اربعة أبواب هي : باب "البريد" من الغرب وباب "جيرون" من الشرق وهو أكبر الأبواب ، وباب "الكلاسة" من الشمال وباب "الزيادة" جنوباً ، وينفتح على فضاء الحرم مباشرة ،
وقد لعبت كتلة الجامع الأموي دوراً مهماً في فعالية التخطيط الحضري لمدينة دمشق منذ إنشائه حتى وقتنا الحالي ، وإلى الجنوب من الصحن يقع الحرم الذي يشدنا إليه وتدهشنا ضخامته ، وارتفاع سقوفه وعلو قبته ، ويبلغ طوله 136 م وعرضه 27 م ، وهو يتألف من قناطر متشابهة عددها 24 قنطرة تمتد عرضانياً ، وبموازاة الجدار القبلي للجامع ، يقطعها في الوسط جناح متوسط يمتد من باب الجبهة الرئيس إلى المحراب ، ويغطي هذا الجناح المتوسط سقف سنمي تنهض في وسطه "قبة النسر" ، وسميت بهذا الاسم لارتفاعها الذي يشبه ارتفاع عش النسر ، وهي قبة عالية محمولة على أربعة دعامات ضخمة تعلوها قبلة مثمنة ذات نوافذ عددها ـ 16 ـ نافذة تغطي الحرم بثلاث أسقف ، ومساحة واسعة من الخشب المغلف بالرصاص من الخارج.
ويوجد في الجامع ثلاث قباب صغيرة : في الوسط قبة "الماء" التي يعلوها
''الشادروان'' ، وقبة "الخزانة" التي كانت تحفظ فيها أموال المسلمين ثم استخدمت لحفظ المخطوطات الثمينة ، وقد أنشئت في العصر العباسي عام م780 ، وقبة "زين العابدين"أو "الساعات" وتقع إلى الشرق من الصحن ، وجميعها مكسوة بالفسيفساء وللجامع ثلاث مآذن : ومآذن الجامع الأموي هي الأولى في الإسلام ، وكان موقعها في الأبراج المربعة على زوايا الجام ، وهي مئذنة "عيسى" وتقع في الجهة الشرقية وقد احترقت عام 570هجري وجدد بناءها الناصر صلاح الدين الأيوبي ، ويبلغ ارتفاعها 63متراً ، ومئذنة غربية" تقع على البرج الشمالي الغربي للجامع وقد جدد بناءها السلطان قاتباي عام م1488 بعد أن دمرها تيمورلنك المغولي ، وقام بهندستها مهندس معماري عربي يسمى "سلوان بن علي" وفق أسلوب مصري ويبلغ ارتفاعها 66 متراً ، ومئذنة "العروس" التي يعود قسمها السفلي إلى فترة الوليد عبد الملك ، وتقوم وسط الجدار الشمالي للجامع وقد طليت بالذهب وغدت فيما بعد نموذجاً للمآذن في سوريا ومصر والمغرب العربي ، ونقل طراز بنائها إلى الأندلس وتعد مئذنة العروس مئذنة إسلامية قائمة حتى الآن.
المتحف
وفي عام م1989 وفي ركن الزاوية الشمالية القريبة من الجامع أقامت وزارة الأوقاف السورية متحفاً للجامع ضم نفائس الجامع القديمة ، وبعض الحجارة والسجاد واللوحات الفنية الخطية الجملية إضافة إلى مصابيح الإنارة ، وقطعاً فسيفسائية وخزفية وزجاجية ونقوداً إسلامية وساعات وصفحات منيرة من المصاحف المخطوطة القديمة لجمعها والحفاظ عليها من الزوال ، وللجامع أربع صالات كبيرة ومستطيلة: اثنتنان في الشرق واثنتان في الغرب وتعرف باسم "المشاهد" وهي مشهد "عثمان" ويقع في الجهة الشمالية الغربية وهو الآن قاعة للاستقبال ، ومشهد "أبو بكر" ويقع في الجهة الجنوبية للحرم ، ومشهد "عمر" في الجهة الجنوبية الغربية وهو الآن بيت الوضوء ، ثم مشهد "الحسين" ثم مشهد "الحسن" في الجهة الجنوبية الغربية ، وقد كان فيه رأس الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما قبل أن ينقل إلى القاهرة ، ويتوسط الجامع مرقد النبي يحيى عليه السلام تعلوه قبة صغيرة ، ويوجد أيضاً بالقرب من الجامع ضريح القائد المسلم "صلاح الدين الأيوبي" المزدان بالاشجار والنبات والورد.
أحداث وكوارث
تعاقبت على الجامع الأموي أحداث عديدة وجسام بسبب الخصومات والمصائب والغزوات والزلازل التي نالت منه وغيرت معالمه ، فالبناء الذي أقامه الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك وأتمه أخوه سليمان بن عبد الملك بقي سليماً بما فيه من نقوش وزخارف وزينة الفسيفساء والأحجار الكريمة حتى سنة 461هجري ـ 1068 ميلادي ، تأثرت بسبب الحرائق والزلازل التي ألمت بالجامع ، كما تعرضت للإهمال لفترات طويلة من الزمن .. ففي ليلة النصف من شعبان عام م1068 نشب في الجامع حريق عظيم أتى على جميع محاسن الجامع وما فيه من زخارف ونقوش بديعة ، حيث سقطت بعض أسقفه وتناثرت فصوصه الذهبية وتغيرت معالمه ، وصارت أرضه طيناً في الشتاء وغباراً في الصيف ، وبقي مهجوراً أربعة عشر عاماً حتى جدده السلطان ملكشاه السلجوقي عام م1082 ، وبعد ذلك لحقت بالجامع زلازل وحرائق متعددة في عهود مختلفة: أبرزها حريق عام 1893 عندما شبت نار عظيمة في سقف الجامع من الجهة الغربية بسبب نار وقت من نرجيلة أحد العمال الذين كانوا يصلحون السقف ، ودام الحريق ساعتين ونصف وأتى على سقف الجامع وجدرانه وأبوابه ، ولم يسلم منه إلا المشهد الغربي ، ما جعل أهل الشام يزيلون الأنقاض من الجامع ويعملون لمدة سنتين بجمع التبرعات لإعادة بنائه ، وفي عام م1896 بدأت عمليات ترميم الجامع بشكل كامل ومميز بأمر من الوالي ناظم باشا ، وبإشراف لجنة مشكلة لهذا الغرض برئاسة رئيس مجلس الولاية "أحمد باشا الشمعة" وقد اشترك في عملية البناء أكثر من خمسمئة عامل يومياً ، ودام العمل في ترميم وتجديد بناء الجامع تسع سنوات ، وقدرت النفقات بنحو سبعين ألف ليرة ذهبية.
وكذلك لم يسلم الجامع من الحرائق والأضرارر المختلفة والتي تمتد إليه من البيوت المجاورة والأسواق القريبة منه ، والتي يرى بعضهم أنها تستر جماله وتشوه منظره ما تطلب إزالتها وبالفعل أزيلت تقريباً كل الأبنية الدخلية عليه ، وتم كشف جدران الجامع من الجهتين الغربية والجنوبية في منتصف القرن الماضي.
وفي عام 1991 تشكلت لجنة لإصلاح وتطوير الجامع الأموي تتكون من كبار المهندسين والمعماريين وعلماء التاريخ والآثار للإشراف على إعادة ترميم الجامع ، وقد وصفت هذه العملية بأكبر عملية تجديد وترميم شاملة للجامع الأموي اهتماماً بهذا الصرح الحضاري الديني والسياحي العريق ، وقد استغرقت عملية التجديد والترميم ثلاث سنوات ، وسخرت الإمكانيات المادية والفنية الكبييرة لها وأعادت للجامع رونقه ومجده العريقين ، ولاحقاً تمت في الجهة الغربية من الجامع أعمال ترميم وتجميل ساحة "المسكية" الملاصقة لمدخل الجام الأموي من الغرب ودشت بتاريخ 7 ـ 3 ـ م2004 حيث أعادت عمليات الترميم والتجميل الرونق والأصالة والجمال لمدخل الجامع الأموي الكبير.
جامعة إسلامية
تميز الجامع الأموي منذ نشأته بكثرة أوقافه ومدرسيه ، وقد استمر الجامع الأموي بتدريس العلوم الشرعية فيه ، وبقيت المدارس المنفصلة عنه بأوقافها والمتصلة به ببنائها تقوم بمهامها التدريسية : كالمدرسة الغزالية والرواحية والتاجية والسيفية والزاوية المالكية ودار الحديث التقوية والحمصية والعروبة.
وكان الجامع الأموي ملتقى علماء دمشق بالعماء الغرباء ، وكانوا يتناظرون بالعلوم المختلفة السائدة آنذاك في رحابه ، وكانت طريقة التدريس تتم فيه على شكل حلقات تعقد في صحنه وأروقته وداخل حرمه ، وتحت قبته.
وكانت أهم حلقاته التدريسية تلك التي كانت تتم تحت قبة "النسر" التي كانت وقفاً على أعلم علماء دمشق ، وتعتبر الدراسة تحتها بمثابة المرحلة العليا من الدراسة في وقتنا الحالي ، وكان التدريس يشمل النحو والحساب والمنطق وأصول الفقه وعلم الكلام ، ومن أهم علماء الجامع ومدرسيه الشيخ أحمد المنيني والشيخ علي أفندي الداغستاني والشيخ عبد الرحمن الكزبري.. وغيرهم الكثير ممن قصدوا الجامع الأموي ودرسوا فيه.
وأخيراً وبعد هذه الجولة في أروقة الجامع الأموي في وصفه وتاريخه لا بد من أن نشير إلى هذه الصرح الحضاري العظيم الذي يشهد على حضارة معمارية عظيمة ، ويعد أحد أهم معالم العمارة الإسلامية عموماً ، يقصده الآلاف من الزوار للتعرف إليه واسراره وحكاياه ، وتزداد أهمية الجامع كثيراً خلال شهر رمضان المبارك وفي المناسبات الدينية االأخرى.
ويعد الأذان في الجامع الأموي بمثابة التوقيت الرسمي لمواعيد الصلوات في جميع أرجاء سورية ولا يجوز لجامع آخر أن يسبقه في إعلان موعد الصلاه